لم يشهد عام 2019 نهاية لأي من الحروب الأهلية الثلاث (سوريا، ليبيا، واليمن) بل شهد الإقليم خمس انتفاضات جديدة (الجزائر، السودان، لبنان، العراق، وإيران). كذلك جرت ثلاث انتخابات رئيسية، إحداها (الانتخابات البلدية في تركيا)، كانت بمثابة ضربة تاريخية لأردوغان ونفوذه في تركيا.
وبينما تغيرت حظوظ روسيا في المنطقة (حيث واصل بوتين تقدمه) استمر الاضطراب في سياسات الولايات المتحدة في الإقليم.
*فيما يتعلق بالانتفاضات الخمسة، مرت إحداها بمرحلة انتقالية (السودان)، وإحداها تم سحقها بشكل مؤقت (إيران)، وأخرى تواجه محاولة النيل من شرعية الرئيس المنتخب (الجزائر) واثنتان لا تزالان تتفاعلان (لبنان والعراق)... بالتأكيد الديناميات تتشابه في العراق ولبنان من أوجه كثيرة، حيث أجري البلدان انتخابات برلمانية، وتم تشكيل حكومتين في 2018، وفي البلدين، يئس الناس مبكرًا من كليهما. لكن بالمقابل صاغ الجيل الجديد هوية جديدة لنفسه على أساس الوحدة الوطنية، ورفض الطائفية، وتعزيز القيم المدنية الأساسية، في معارضة الطبقة الحاكمة الفاسدة والطائفية. في كلا البلدين، فرضت الانتفاضة نفسها فاعلًا جديدًا في الساحة السياسية، الأمر الذي سيكون له أثره على تشكيل وسياسات الحكومات المقبلة، والتركيز على تنظيم انتخابات برلمانية جديدة، وربما مبكرة.
*من ناحية أخرى، لم تشهد أي من الحروب الأهلية الثلاثة في المنطقة نهاية في عام 2019 - كما سبقت الإشارة – لكن هذا لا ينفي أنه تم إحراز تقدم كبير في اليمن، وتم التوصل إلى اتفاق بين حكومة هادي منصور والمجلس الانتقالي الجنوبي، وحيث أدت المحادثات بين السعوديين والحوثيين إلى تراجع كبير في تصعيد الهجمات من الجانبين. هناك أمل في أن يتحرك اليمن على الأقل نحو وقف دائم لإطلاق النار، الأمر الذي سيؤثر إيجابيًا على الأزمة الإنسانية، إلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي كامل.
أما ليبيا فقد شهدت التصعيد الأكبر نسبيًا، ومن المرجح أن يضع الاتفاق بين فايز السراج وأردوغان (الذي رفضه البرلمان الليبي) تركيا في صراع مع: "قبرص، مصر، اليونان، إسرائيل، إيطاليا، والأردن"، وجميعها أعضاء في منتدى شرق البحر المتوسط للغاز. بل وهناك خطر حقيقي من اندلاع حريق في المنطقة.
أما على صعيد الصراع في سوريا، فقد ظلت المحاولات الروسية لإحراز تقدم سياسي على صعيد إنهاء الصراع هناك: (من خلال مفاوضات مفترضة حول دستور مستقبلي) مجرد عرض جانبي. في حين حدثت التطورات الرئيسية في شمال شرق سوريا، حيث تخلى الرئيس ترامب عن حلفاء أمريكا من الأكراد ومنح الضوء الأخضر لتوغل تركي هناك. وقد وجه التوغل التركي ضربة قوية لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، وأنشأ منطقة عازلة تركية طويلة الأمد، ومكن النظام السوري من إعادة الانتشار إلى المناطق الكردية في الشمال الشرقي. ولم ينته عام 2019 إلا وقد صعَّد النظام (بدعم روسي) من الهجمات على محافظة إدلب من أجل تحصيل مكاسب إضافية، لكنه لم يحاول التحرك على نطاق واسع لاستعادة المحافظة.
*من ناحية ثالثة، جرت الانتخابات الثلاثة في: "تركيا، تونس، وإسرائيل".... في تركيا، خسر أردوغان مرتين الانتخابات البلدية في المدن الكبرى. وقد تشير تلك الخسارة إلى بداية كسوف هيمنته على الزعامة التركية المستمرة منذ عقدين، رغم أن رحلته نحو الأفول قد تستمر بضع سنوات. أيضا، يبدو أن الانتخابات - وكذلك لوائح الاتهام - تشير إلى نهاية هيمنة بنيامين نتنياهو التي استمرت 25 عامًا على السياسة الإسرائيلية؛ ورغم أنه ربما يكون الآن في مرحلة الانهيار والأفول، فلا يزال نتنياهو يتخذ بعض الخطوات المثيرة، بالتواطؤ مع ترامب، والتي قد تشمل ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. أما الانتخابات الرئيسية الثالثة فكانت في تونس التي وإن كانت قد نجحت في اختبار نقل السلطة، إلا أن البلاد لا تزال تعاني من صعوبات اقتصادية طاحنة مستمرة، وكذلك من التهديدات الإرهابية المتكررة داخل البلاد.
*من ناحية رابعة، كان عام 2019 سنة مضطربة أخرى بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة، حيث يظل ترامب عند نقطة مختلفة عن معظم مستشاريه، وقد أقصى بالفعل مستشارين للأمن القومي في منتصف العام لتفادي التصعيد العسكري مع إيران. أما في سوريا، فقد فاجأ ترامب مستشاريه وتحداهم بتخليه عن حلفاء أمريكا من الأكراد ومنح الضوء الأخضر للتوغل التركي في شمال شرق البلاد.
بينما في ليبيا، فضل ترامب المشير حفتر علانية، رغم أن الموقف الرسمي لإدارته يدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
وفيما يتعلق بإيران، حافظ ترامب على أقصى درجات الضغط، لكنه امتنع عن الانتقام عسكريًا ضد الهجمات الإيرانية على طائرة أمريكية بدون طيار وحلفاء الولايات المتحدة في الخليج. وربما بدا – في شهر سبتمبر- منفتحًا على عقد صفقة، لكنه سرعان ما ابتعد عن ذلك بعدما رأي أن حملة الضغط الأقصى بدأت تؤتي ثمارها.
بالنسبة لإسرائيل وفلسطين، دفنت إدارة ترامب عملية السلام بين الجانبين في حفرة أعمق. وربما سيكون علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت النهاية الوشيكة لقيادة نتنياهو التي دامت 25 عامًا في إسرائيل وصعود بيني جانتز، ستوفر أي طريق جديد للمضي قدماً على صعيد هذا الملف.
*وعلى عكس الولايات المتحدة، واصلت روسيا إحراز تقدم في الشرق الأوسط، وحققت مكاسب إضافية في سوريا، مع تخلي ترامب عن الأكراد، وتوسع النظام في الشمال الشرقي. كما نقل بوتين قواته إلى ليبيا، وهو يدعم المشير حفتر في هجومه على طرابلس. وقد ينتهي بوتين إلى ترجيح كفة فاعل في ليبيا، الأمر الذي سيوفر موطئ قدم رئيسي لروسيا في شمال أفريقيا وجنوب البحر المتوسط.
تقدم روسيا أيضًا مبادرات إلى لبنان، على أمل الحصول على مزيد من النفوذ هناك. أما البلد الذي يجب مراقبته فهو العراق: إذ تصعد إيران من ضغطها بالوكالة على الولايات المتحدة هناك. وبالنظر لتفضيلات ترامب، من المحتمل تمامًا أن تنسحب الولايات المتحدة في نهاية المطاف من العراق، وأن يتم تشجيع روسيا من قبل شريكها إيران على توفير القوة الجوية وغيرها من المساعدات الحيوية.
باختصار، بوتين يعيد بالفعل بناء موقع قوي لروسيا في بلاد الشام وشمال أفريقيا.
أما منطقة الشرق الأوسط فستدخل عام 2020 وهي الأقل استقرارا بين أقاليم العالم المختلفة.